<TABLE id=table20 style="WIDTH: 11px; HEIGHT: 27px" cellSpacing=0 cellPadding=0 width=11 border=0> </TABLE>
التنوع الثقافي |
إن التعدد الملاحظ على مستوى الثقافات الإنسانية، يعني أن الحضارة الإنسانية منقسمة ومتنوعة ومختلفة، وهذا لا يلغي وجود بعد ثقافي كوني يقوم على أساس التواصل والتعايش وإزالة الهوة بين الأفراد والجماعات والشعوب. إذن هل يمكن الحديث عن ثقافة كونية أم تعدد الثقافات واختلافها؟ كيف نفسر تعايش الثقافات رغم صراعها؟ يشير مفهوم التنوع الثقافي إلى اتسام الثقافة البشرية بسمة التنوع والاختلاف، فالحضارة الإنسانية منقسمة في فعاليات متنوعة تتمثل في تعدد المعتقدات وقواعد السلوك واللغة والدين والقانون والفنون والتقنية والعادات والتقاليد والأعراف والنظم الاقتصادية والسياسية. فكل مجتمع إذن يسعى جاهدا نحو الحفاظ على هويته وما يميزه ويعطيه خصوصيته واستقلاله عن باقي الثقافات الأخرى، ومن الواضح أن هذا المصطلح نشأ في سياق ثقافي معين اتسم بتنامي تعرض الكثير من الثقافات البشرية للتراجع والاضمحلال والإقصاء و أحيانا الزوال، في الوقت الذي بدأت فيه ثقافات معينة تنتشر بسرعة على حساب الثقافات المتراجعة و بدا أن بعضها بدأت تفرض هيمنتها على سائر ثقافات العالم على نحو يهدف إلى سيادة الثقافة والواحدة ومنحها طابع الكونية.
إن التشبت بالهوية والخصوصية والمحلية، لا يعني الانغلاق والتقوقع، فمعظم المجتمعات تعمل على الانفتاح على الثقافات الأخرى في إطار التعايش والتثاقف والإيمان بالحوار والحق في الاختلاف، إنها تدمج داخلها مجموع المعارف والتقنيات والأفكار والتقاليد وهذا لا يتحقق إلا عن طريق تواصل هذه المجتمعات وتعايشها مع بعضها البعض على أساس لا ينكر حق الشعوب والأقليات والأشخاص في التمتع بثقافتهم أو استعمال لغتهم أو التدين بدينهم والحفاظ على تراثهم... من هنا تنتفض ثقافة المجتمعات للدفاع عن نفسها وعن حقها في الوجود، لأن الهوية الثقافية تحفز كل شعب، وكل مجموعة بشرية، على استمداد التغذية الروحية من التراكمات المعرفية التي تؤسسها .
من هنا كان شرط التعايش والاحترام أساس البيان الذي أصدرته اليونسكو سنة 1982، والرامي إلى أهمية الدفاع عن الهوية الثقافية لكل شعب، واحترام الأقليات الثقافية وكل ثقافات العالم.
وإذا ما ربطنا موضوعنا بالمغرب كمثال، فإننا نجده يتشكل من تنوع ثقافي واضح، هذا التنوع يذوب داخل روح اجتماعية واحدة أساسها التعايش والترابط المشترك والائتلاف، وينفي الإقصاء والتهميش، مما اكسب المغرب غنى ثقافيا متنوعا سواء أكان لغويا أو قبليا أو دينيا.
إن السعي نحو القوة والسيطرة والهيمنة لن يفضي إلا إلى الصراع مع الشعوب الراغبة في الحفاظ على وجودها وصيانة هويتها وبالتالي تكريس الحروب والصراعات فيما بينها، وهذا لن يتجاوز إلا عبر الإقرار بحق الشعوب والأقليات في التمتع بكل فعاليات ثقافتهم سواء أكان دينيا أو لغويا أو عرقيا أو غيره... وكذا الانتقال من التعصب إلى التسامح، ونبذ ما يستبدل الحوار بين الشعوب بالنزاع، والتعاون بالشقاق، والاعتماد المتبادل بالانغلاق على النفس. وإشاعة السلام القائم على العدل في الكوكب الأرضي الذي تحوّل إلى قرية كونية بفضل ثورة الاتصالات المذهلة. والاحترام الكامل للهويات الحضارية، وعدم التمييز بين الثقافات، والقضاء إلى الأبد على مفاهيم التميز العرقي وعولمة الثقافة الواحدة وكونيتها.
حاصل القول، إن التنوع الثقافي يقوم على المساواة الكاملة بين الشعوب، واحترام الاختلاف بينها، والنظر إلى هذا الاختلاف بوصفه مصدر غنى لا يحول دون التفاعل وتبادل الخبرات، ومن ثم الحفاظ على العلاقة الحوارية بين المحلي والعالمي، الخاص والعام، وذلك في المدى الذي تغتني به العلاقة بين كل الأطراف، من دون تمييز أو تراتب، بل من منظور نفهم غايته من خلال مبدأ صاغه الهندي "المهاتما غاندي" عندما قال: "إنني على استعداد لأن أفتح نوافذ بيتي لتدخله الرياح من كل اتجاه وكل جانب، ولكن من دون أن تقوض هذه الرياح الجذور التي يقوم عليها بيتي والأسس التي ينهض عليه"